طريق السعادة مع الله، السعادة في الدنيا والآخرة
اغمض عينيك وتخيّل أنّك تمشي على طريق السّعادة، جرّب هذا الإحساس،
أن يمتلأ صدرك بالهواء وأن يضحك قلبك قبل وجهك، وتتراقص روحك ولا ترى عينيك سوى النور.
إنّ السّعادة الحقيقيّة هي أنت، هي ذاتك الراضية عن نفسها، هي صحوة ضميرك
ووجدانك النابعة من روحك القريبة من الله عز وجل.
ما هو طريق السعادة الحقيقية؟
قد تشتري منزلاً جديداً، أو تفوز في سباق ما، أو ربما ترتقي في عملك، وتظن أنك
قد حصلت على السّعادة كاملة، ثم بعد فترة وجيزة ترى نفسك لست سعيداً،
وليست هذه السّعادة التي تريدها.
إذاً طريق السّعادة ليست الدنيا ولا متاعها ولا طريق البشر الخطّاؤون،
إنّ التقرّب الصادق من الله عزّ وجل والإيمان الصادق والعميق به هو طريق السّعادة الحقيقيّة.
قال تعالى:
بسم الله الرحمن الرحيم
{فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:123- 124]
صدق الله العظيم
ما هو طريق السعادة من الدنيا إلى الآخرة؟
إن طرق السعادة في الدنيا كثيرة، والإنسان المؤمن يدركها ويبحث عنها لأنه
على يقين أن الطريق إلى الله يبدأ في الدنيا وينتهي في الآخرة.
ومن طرق السّعادة الروحيّة في الدنيا:
- الإيمان الراسخ والحب الصادق النابع من قلب مؤمن ومتيقن بوجود الله عز وجل.
- الرضا بقضاء الله وقدره فلا خير إلا فيما اختاره الله لنا.
- ذكر الله ففي ذكره سعادة وسكينة للروح والجسد.
- الالتجاء والتوجّه إلى الله في الضيق والفرج بالشكر والدعاء فهو ميسّر الأمور ومفرّج الكرب.
- التعامل مع الناس بالأخلاق والإنسانية التي أمرنا بها تعالى في كتابه الكريم.
مثال على ذلك الصدقة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تبسّمك في وجه أخيك صدقة)
- صلة الرحم التي أمرنا الله أن نحافظ عليها.
- بر الوالدين والعمل الصالح ومساعدة الآخرين ، يمنحنا شعور السعادة في الدنيا ويبشرنا بالآخرة.
- تجنّب الغضب لأنه يولد الحقد والضغينة ويرهق النفس بالذنوب.
- التوكل على الله وحسن الظن به ، فالله هو العون والرحمة والسعادة.
- قراءة القرآن الكريم، والتوجّه إلى مجالس العلوم الدينية.
ما هو طريق السعادة في القرآن الكريم؟
إن الله سبحانه وتعالى برحمته الواسعة أرسل لنا كتابه المقدّس ليكون دليلنا وهدايتنا في الدنيا.
يبيّن الله في آياته وجوهاً من السّعادة في سبيل الله ومنها الأمثلة التالية:
- سعادة المؤمن بالفوز بجنّة الخلد والنعيم وبرضا الله تعالى.
قال تعالى في سورة هود: {وَأَمَّا الَّذينَ سُعِدوا فَفِي الجَنَّةِ خالِدينَ فيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالأَرضُ إِلّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيرَ مَجذوذٍ}.[٣]
- سعادة المؤمن بنصر الله تعالى.
قال تعالى في سورة الروم: { الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّـهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّـهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرّحِيمُ}(٥)
- سعادة المؤمن ورضاه بعطايا الله عز وجل.
قال تعالى في سورة الضحى: { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى}.[٩]
- سعادة المؤمن بدين الإسلام.
قال تعالى في سورة يونس: {أَيُّهَا النّاسُ قَد جاءَتكُم مَوعِظَةٌ مِن رَبِّكُم وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدورِ وَهُدًى وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنينَ ﴿٥٧﴾ قُل بِفَضلِ اللَّـهِ وَبِرَحمَتِهِ فَبِذلِكَ فَليَفرَحوا هُوَ خَيرٌ مِمّا يَجمَعونَ}.[٤]
ما هو طريق السعادة في السنة النبوية الشريفة؟
السيرة النبويّة الشريفة تظهر أيضاً وجوها عديدة للسّعادة منها:
- سعادة الإنسان تكمن بالإشباع المادي والروحي لحاجاته، حيث فقدان أحدهما يفقده شهيته للآخر.
عن سعد بن أبي وقاص – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: (َرْبَعٌ مِنَ السَّعَادَةِ: الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ، وَالْمَسْكَنُ الْوَاسِعُ، وَالْجَارُ الصَّالِحُ، وَالْمَرْكَبُ الْهَنِيء)
- إن سعادة الإنسان بالابتعاد عن الفتن التي تسبّب النزاعات والخصام، وعندما تقع عليه يجب أن يصبر ويفوّض أمره لله تعالى.
عن المقداد بن الأسود – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم -أنه قال: (إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ، إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ، إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ، وَلَمَنِ ابْتُلِيَ فَصَبَرَ فَوَاهًا).
- الشعور بالرضا سبب أساسي لشعور الإنسان بالسّعادة، حيث إن سعي الإنسان المبالغ فيه نحو الملذات والابتعاد عن القبول بعطاء الله يسبّب له التعاسة والشقاء.
عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – عَنِ النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قَالَ:( إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ، وَإِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ).
- إنّ شعور الأمان والطمأنينة يمنح الإنسان سعادة كبيرة، وهذا الشعور بالأمان يأتي من الإيمان والتقرب من الله.
عند عبيد الله بن محصن الخطمي – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا).
- السّعادة تكون بمحبة الناس ومشاركتهم أحزانهم وأفراحهم ومد يد العون لهم.
عن النعمان بن بشير – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مَثَلُ المُؤْمِنِينَ في تَوَادِّهِمْ وتَرَاحُمِهِمْ وتَعَاطُفِهِمْ، مَثَلُ الجَسَدِ إذا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى له سَائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والحُمَّى).
هناك الكثير من الأمثلة في السيرة النبوية عن طريق السّعادة نذكر منها أيضاً الالتزام بالعبادات كالصّوم والصلاة والزكاة، والإيمان بالله تعالى، والتسامح، والالتزام بالسلام عند المرور بالناس، وغيرها من الأمور الكثيرة.
هل الطاعة والتوبة طريق السعادة؟
يقول أدهم شرقاوي في كتابه نبأ يقين: (تمسّك بطاعتك مهما رأيتها في عينيك صغيرة، وحاول أن تتغير مهما رأيت ذنوبك كبيرة ، إن الذي هيأ لك طاعة، فقد فتح بينك وبينه باباً، فلا تغلق هذا الباب).
عندما يثقل الإنسان نفسه بالذنوب، ويتبع هوى الشيطان ويقنع نفسه أنه لا فائدة من الطاعات مادام هناك معاصي، ويتبع طريق الظلمات، يبدأ شعور الانكسار والحزن بداخله.
مادامت النفس الإنسانية تشعر بالألم والانكسار عند المعصية، بالفرح والسّعادة عند الطاعة، فهذا يدل على أن التوبة الخالصة الصادقة لله هي الطريق إلى السّعادة.
كما إن الله تعالى يقبل التوبة ويحبّ التوابين كما قال في سورة البقرة: {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين}.
ما هي طرق السعادة الروحية والجسدية؟
إن الإنسان روح وجسد، ولا يمكن فصل أحدهما عن الآخر، وسعادة الروح مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بسعادة الجسد.
السّعادة الروحية التي تحقّقها بالتقرّب من الله تعالى وبطاعته لا تعني أن إسعاد نفسك في الدنيا من الممنوعات.
قال تعالى:{ وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا»(1)
فالإنسان في هذه الدنيا خلق ليتمتع وينعم بما أعطاه الله تعالى من نعمٍ كثيرة، ولكن سعادته لا يجب أن تكون على حساب سعادة الآخرين.
قال تعالى :{ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)(2)
إن الموازنة بين السّعادة الروحية والجسدية أمر مهم، حيث يمكن للإنسان أن يتمتع بملذات الحياة الحلال ويبتعد عن الحرام، ويتذكّر وجود الله في كل ما يفعل.
كما إن السّعادة في الدنيا لاتكتمل إذا لم نشارك بها الناس ونساعدهم، فالسّعادة الحقيقية لا نستطيع أن نحقّقها بمفردنا.
أخيراً إن اليقين المطلق بوجود الله وحضوره الدائم في داخلك، سيجعلك أقوى من كل الخيبات اللي مررت بها، وسيجعل حياتك مفعمة بالحب والسكينة عندها فقط ستدرك طريق السّعادة.