كيف يجد الإنسان قيمته؟
غالباً ما نجد أن الإنسان بحث عن قيمته سواءً على المستوى الشخصي أو الاجتماعي.
فتجد الإنسان مرتبط بشدة بقيم اجتماعية، مثل وحدة الوطن و العشيرة كما قد تجده
مرتبط بالمحيط الجغرافي.
من خلال هذا المقال سوف نتطرق إلى قيمة الإنسان النفسية، و سعيه إلى الحفاظ على كرامته
من خلال مقولة الملك الراحل الحسين “الإنسان أغلى ما نملك”.
كما سوف نتطرق في المحو الثاني من المقال إلى ارتباط الإنسان بالجغرافيا من خلال
شرح مبدأ “الإنسان كائن جغرافي”.
الإنسان أغلى ما نملك
تعتبر مقولة الإنسان أغلى ما نملك، للملك الراحل الحسين ملك الأردن وهي دليل على أن كرامة
الإنسان الأردني تعتبر من الخطوط الحمراء الممنوع تجاوزها، فلا شيء يعلو على كرامة
الإنسان وحقه في الحياة.
إن الملك الحسين، ملك الأردن رحمه الله قد أفنى حياته في صون كرامة الشعب الأردني
والرفع من مستوى معيشته وأمنها،
وكذلك تأمين وحفظ جميع الحقوق الضرورية لضمان كرامة الإنسان والشعب الأردني، وتطوير
دستور لكي يتماش مع المتطلبات الحالية للشعب الأردني.
و مقولة الإنسان أغلى ما نملك
أساس المطالبة بالكرامة التي زرعت في نفس كل الأردنيين،
ولقد عمل ولا زال الملك عبد الله على تنفيذ مقولة والده الراحل، في الحفاظ على كرامة الشعب الأردني.
وأثبت للعالم أن الأردن بلد متطور، وأن كرامة الشعب الأردني فوق كل مصلحة شخصية أو فردية،
وفي السنوات الأخيرة ونحن نمر بأزمة عالمية لم تقدر على تجاوزها بلدان عظمى، وهي محاربة
فيروس كورونا وكل تبعياته الاقتصادية والاجتماعية.
فبالتباع القرارات الحكيمة والرؤيا الذكية للملك عبد الله ،نرى أن الأردن حاليا يعيش نوعا من الاستقرار،
حيث تمت السيطرة على وباء كورونا، وكذلك حماية المواطنين من انتشار فيروس كورونا
بشكل كبير بين صفوفها،
وذلك من خلال توفير العناية الصحية اللازمة وكذلك توعية المواطنين في كل ما يخص بحماية الأفراد ومنع انتشار فيروس كورونا.
و هذا يدل على
مدى وعي الشعب و ملك الأردن
الملك عبد الله بضرورة التضامن للتصدي للأزمات الاقتصادية و العالمية.
كيف يجد الإنسان قيمته؟
الإنسان جغرافي بطبعه
الإنسان هو كائن مرتبط بالجغرافيا، أي المكان الذي ولد فيه وذلك عن طريق
الفطرة فلقد فطر الله الإنسان لكي يكون مرتبطا بالأرض، لأن أصل الإنسان هو من طين.
السؤال الأكثر طرحاً من قبل الإنسان هو، أين أنا؟ أو ما الطريق المؤدي إلى المكان الفلاني؟
كما يحب الإنسان أن يحدد موقعه الجغرافي، ويعرف مكان عيشه والمحلات التي تحيط به،
وذلك يزيد من ثقته بنفسه ومن طمأنينته.
ولقد جاء في مقدمة ابن خلدون الشهيرة المقولة التالية “الإنسان مدني بطبعه”، إلا أن هذه المقولة
تطورت وأصبحت الإنسان جغرافي بطبعه،
لأن الإنسان مرتبط كثيراً بالمنطقة التي يعيش بها ويترعرع بها، فيصبح من أهم طباعه
أنه لا يقدر أن يتخلى على هذه المنطقة ويبقى مرتبطا بها إلى آخر يوم من عمره،
رغم ابتعاده عنها أو رغم أنه يكون في نفس المنطقة دائماً، فيبقى حريصاً على أن لا يبتعد لمدة طويلة،
ثم يرجع إلى هذه المنطقة، فيحس بالدفيء والطمأنينة والتوازن النفسي بها، حيث أنها تمثل ذكريات
طفولته وذكريات حياته.
ولقد ظهر الاهتمام بالجغرافيا السلوكية للإنسان في الستينيات من القرن الماضي.
ويعتبر الموقع الجغرافي من بين أهم المؤثرات في سلوك وتصرفات الناس الذين يعيشون
في نفس المحيط الجغرافي و الطبيعي.
لماذا يعتبر الإنسان جغرافي بطبعه؟
لقد تطورت عدة دراسات بخصوص الجغرافيا السلوكية للإنسان، وكشفت علاقة المحيط الجغرافي
بنمط عيش وشخصية الجماعات، التي تتمركز في نفس المنطقة الجغرافية،
ظهرت عدة نظريات وعدة كتب تحلل ارتباط الإنسان بمحيطه الجغرافي، ونذكر من بين أبرز
هذه الكتب “جغرافية الفكر” لعالم النفس الاجتماعي والثقافي دكتور ريتشارد اي نيس بيت،
والذي من خلال هذا الكتاب قام بتحليل وشرح كيف أن الغربيين والأسيويين يتصرفون
بطريقة مختلفة عن بعضهم،
ويرجع ذلك إلى السلوك النمطي الموحد في كل من آسيا والبلدان الغربية،
و هذا يدل على أن المنطقة الجغرافية قد تحدد بطريقة ملحوظة شخصية الإنسان وتصرفاته،
وكذلك نمط عيشه.
فنجد أن هناك قواسم كبيرة مشتركة بين الأسيويين، كما أن هناك نمط شبه موحد بين الغربيين
من خلال سلوكهم وتصرفاتهم، وهذا يوضح أن هناك علاقة وطيدة بين طريقة التفكير والسلوك
الحضاري الإنساني والمنطقة الجغرافية التي يعيش ويترعرع فيها الشخص ،
وينطبق هذا على باقي المناطق الجغرافية للعالم.
كما أن هناك عدة سلوكيات تؤكد على أن الإنسان كائن جغرافي، ومن بين هذه السلوكيات تأثير
المحيط الجغرافي الطبيعي أو المحيط الاقتصادي في سلوك الإنسان.
فعلى سبيل المثال، هناك بعض المجتمعات تعرف بكونها ذات مستوى إنفاق منخفض
في الأسواق، وأنها تركز على نوعيات معينة من السلع.
كما أن القوانين السياسية هي الأخرى لها تأثير على سلوكيات الإنسان، فهناك بعض
الشعوب التي غالباً ما نراها مستسلمة للقوانين وتتبعها بحذافيرها،
دون أن تبدي أي معارضة سواءً رأيها الشخصي أو رأي المجتمع في السياسة العامة للبلد،
ويرجع ذلك إلى الكبت السياسي أو البرمجة الفكرية لهذه الشعوب على مدار سنوات طويلة،
مما يؤدي إلى تكون السلوكيات غير قابلة للتغيير لهذه الشعوب.
كيف يجد الإنسان قيمته من وجهة نظر علم الاجتماع
يعتبر ابن خلدون المؤسس الأول لعلم الاجتماع الإنساني، ولقد قدم بعدة أبحاث
في ما يخص ارتباط الإنسان بالجغرافيا على صعيد السلوك البشري،
حيث أنه ذكر في أحد كتبه أن للهواء والجغرافيا تأثير مباشر على سلوك الشعوب،
نذكر مثلاً أن الشعب السوداني يتميز بالفرح والرقص وذلك بسبب المناخ المعتدل الذي
يمنحهم الانتعاش والنشاط والراحة،
وهناك أمثال شعبية تدل على أن السكان الذين يعيشون في المروج هم أذكى وأسعد
من الذين يعيشون في الجبال،
وذلك لكون المروج أو القفار تشتهر بمناخها الحار أو المعتدل، أما الجبال فغالباً ما تنخفض
فيها درجة الحرارة، مما يجعل من شعوبها أناسا قليلي المرح والنشاط.
تأثير الارتباط الجغرافي على السلوك والتفكير الإنساني
وفي تجربة فريدة من نوعها، قام أحد الباحثين في بحث الماجستير بالجغرافيا بجامعة السلطان قابوس،
بتجربة اجتماعية لكي يقيس مدى تأثير الارتباط الجغرافي على السلوك والتفكير الإنساني،
فقام باصطحاب مجموعة من الطلاب القرويين بملابسهم التقليدية العمانية إلى مركز تجاري ضخم،
فلاحظ أن معظم الطلاب يحملون معهم ملابس عصرية داخل أكياس، وقاموا قبل دخول المجمع التجاري بتغيير ملابسهم التقليدية ولبس الملابس العصرية،
وعندما سألهم الباحث عن السبب، كان جوابهم واحد وهو أنهم سوف يشعرون بالحرج من ملابسهم التقليدية داخل مجمع تجاري عصري،
وأن اللبس المناسب لهذا المكان هو الجينز والتيشرت أو الجاكيت، غير أن نفس الطلاب لم يكونوا
يشعرون بالحرج من لباسهم التقليدي عندما كانوا يتجولون به لسنوات طويلة داخل مجتمعهم القروي.
وفي نفس الوقت لاحظ الباحث أن الفتيات لا يقدرن على الجلوس في المقاهي القريبة
من مقر سكناهم بجانب الشباب،
غير أن هذا السلوك يتغير إذا ذهبن إلى المقاهي الكبرى مثل ستار بوكس أو غيرها داخل المجمعات التجارية،
فتجد الفتيات يجلسن في طاولات قريبة من طاولات الشباب دون أن يبدين آية حساسية تجاه الاختلاط.
ونحن هنا لا نتحدث عن القيم والأخلاق ولكن عن تغيير السلوك أو التفكير، فبمجرد تغيير
المنطقة الجغرافية يتغير السلوك و التفكير،
فهذا وإن دل على شيء فإنما يدل على أن الثقافة والفكر يتغير مع تغير المحيط الاجتماعي
والمنطقة الجغرافية،
فنفس الشخص ممكن أن يقوم بتصرفات تدل على فكر وسلوك معين، إذا كان في محيط
جغرافي معين، ويقوم بتغيير هذا السلوك للتأقلم مع محيط جغرافي جديد.
السلوك الإنساني الجغرافي
ويعتبر السلوك الإنساني المرتبط بالمحيط الجغرافي، ما هو إلا ردة فعل ناتجة عن فعل طبيعي
لما يترتب عن محيط الإنسان من مؤثرات طبيعية وبشرية واقتصادية مختلفة،
كما أن السلوك الإنساني يمكن أن يتغير باستمرار مع تغير المحيط الجغرافي والظروف المحيطة
بالإنسان سواءً كانت متغيرة في الزمان أو في المكان.
قام العديد من العلماء من دراسة السلوك البشري وارتباطه بالمحيط والجغرافي، فاستخلص
الباحثون أن السلوك البشري ما هو إلا ردة فعل لتأثير المحيط الجغرافي والاجتماعي،
فمثلاً سلوك أو ردة فعل شخص ما قد تختلف عند تواجده في مكان رسمي
أو تواجده في مقهى مع الأصدقاء،
فإذا تعرض مثلاً نفس الشخص إلى الابتزاز أو سلوك عدواني من طرف شخص ما فإن
ردة فعله عندما يكون في مكان رسمي تكون لبقة، ويحاول أن يجد حلاً دون افتعال الشجار،
لأن ذلك قد يسبب له بالطرد من عمله،
أما إذا كان في المقهى ومحيط بأصدقائه، فإن ردة فعله لنفس السلوك مع نفس الشخص
قد تصل إلى الشجار والعراك، ويزداد ذلك العنف مع تزايد الصراخ وتشجيع الناس المحيطين به.
المحيط الجغرافي والصحة النفسية
لقد تمت دراسة ذلك أيضاً على مستوى التأثير في صحة واستجابة العلاج بالنسبة لعدة أشخاص،
و اختُبر ذلك على تزيين الجدران في مستشفيات الأطفال، لأن عدة أطباء وباحثين اكتشفوا أن الأطفال
الصغار لا يبدون استجابة إيجابية للعلاج عندما يكونون في غرف مستشفيات ذات ديكورات
غير محببة للأطفال وجدران بيضاء،
بينما نفس الأطفال في نفس المستشفيات قد يبدون استجابة إيجابية للعلاج إذا زينت الجدران وقاموا
بتغطية الأسرة بأغطية ملونة،
ولقد استنتج عدة أطباء أن قدرة الإنسان على الشفاء تتزايد إذا غير محيطه الاستشفائي
من مستشفى إلى منتجع،
مما جعل بعض المستثمرين يستغلون ذلك في إنشاء منتجعات طبية، ولقد أظهرت نتائج المنتجعات
الطبية على قدرة الإنسان على تخطي الحالة الصحية المرضية بسرعة،
وذلك لكونهم محاطين بمجموعة من الظروف الطبيعية التي تساعد على الاستجابة المناعية.
كما أثبتت الدراسات أن غالبية المرضى لا يستجيبون للأدوية في حالة لم تكن هناك زيارات
عائلية وأسرية وأصدقاء في المستشفى،
لذا ينصح معظم الأطباء بزيارة المرضى والترفيه عنهم لأن الإنسان كائن جغرافي مرتبط
بمحيطه ومجتمعه ومنزله،
فكلما أحس أنه مجتمعه ومحيطه لم يتغير وأن وجوده داخل المستشفى لا يشكل فارقاً فهذا
يساعده على الشفاء بسرعة.
لذا ينصح بزيارة المرضى من العائلة والأصدقاء في المستشفيات بشكل مستمر، وخلق نوع
من الدفء الأسري داخل المستشفى، ووضع بعض الزهور و أغطية السرير الملونة، لكي يحس
الشخص المريض أنه لازال موجود في محيط اجتماعي مليء بالدفء وبالحنان، وأن وجوده
في المستشفى لا يعني أن محيطه الجغرافي تغير، وأنه لازال في نفس المحيط الجغرافي،
الشيء الذي يدفعه إلى مقاومة المرض والاستجابة إلى الأدوية، مما يسهل عملية الاستشفاء.
كما ينصح الأطباء بفترة نقاهة بعد المستشفى، وغالبا ما يختار المريض أن يقضيها في منطقة
طبيعية لطالما تعلق بها وكان مرتبط بها جغرافيا وفكريا منذ طفولته.
خلاصة:
ونستخلص من ذلك أن هناك بعض الحقائق غير مطلقة في علم الاجتماع، حيث يمكن أن تحدث تطورات
في نفسية الإنسان وتقبله للتغير، غير أنه يبقى مرتبطا بجغرافيا معينة على مستوى فكره،
وغالبا ما يكون لهذا الارتباط ذكريات ترجع إلى سنوات الطفولة.
