أنواع الشعر الجاهلي وصفاته
بدايات الشعر الجاهلي
تم تداول الشعر الجاهلي
في العصر الجاهلي بشكل شفهي
حيث لم يكن التدوين والكتابة موجودة
أو متوفرة في ذلك العصر فانتقل شعر الجاهلية عن طريق الأشخاص
الذين قاموا بحفظ الشعر من أفواه الشعراء وبعدها قاموا بنشره بين الناس.
وظلّ ينتشر هذا النوع من الشعر بشكل شفهي حتى أتى عصر التدوين والكتابة،
وخلال هذه المدة اشتهر بعض الرواة
الذين حفظوا الشعر ونقلوه للناس شفهياً ونذكر منهم: أبو عمرو بن العلاء والأصمعي الشهير
والذي جميعنا نسمع بكتاب اسمه الأصمعيات نسبةً له.
كما اشتهر خلف الأحمر وحماد بن سلمة أيضاً من الرواة لكنهم اشتهروا أيضاً بالكذب فاستخدموا الشعر كتجارة
بالنسبة لهم حيث عرفهم الناس بالانتحال والكذب والنفاق.
بدايات الشعر الجاهلي
انقسم الأدب في الجاهلية إلى الشعر والنثر، لكن الشعر كان الأكثر انتشاراً
والسبب في ذلك أنه كان يعتمد على العاطفة والخيال
في حين أن النثر اعتمد على التفكير والمنطق.
وبسبب انعدام التدوين في تلك الفترة فلا يوجد أحد يعلم كيف بدأ الشعر بدقة فحتى بعد انتشار التدوين والكتابة
فلم يستطع أحد أخذ معلومات صحيحة ومتسلسلة من أجل كتابة تدوين منظم عن بدايات شعر الجاهلية.
الأنواع المعروفة عن الشعر الجاهلي
يمكننا اعتبار الشعر في فترة الجاهلية والذي وصلنا شعراً متكاملاً وناضجاً من حيث اللغة والأسلوب،
حيث كان منتشراً بين الناس فالجميع يملك قدر من البلاغة تمكنه من قول الشعر ولكن بدرجات متفاوتة
حيث كان للشعر أغراض مختلفة والتي سنذكرها الآن.
أولاً: الفخر
حيث كان يفتخر الشاعر بصفاته النبيلة كالصدق والعفّة والوفاء كما كان يفتخر بنسبه وأصل قبيلته،
وكان البعض منهم يبالغ بوصف قبيلته ونسبها وصفات شبابها ولهذا السبب انتشر في تلك الفترة
الصراع بين القبائل المتواجدة في الجزيرة العربية.
ثانياً: الهجاء
نتيجة الحروب والمنازعات بين القبائل العربية ظهر الهجاء والذي يمكننا تعريفه على أنه ذكر الصفات السلبية
التي يتمتع بها الشخص أو القبيلة التي يتم التنازع معها
لكن الهجاء في تلك الفترة اتصف بأنه ضمن حدود التهذيب والأدب ولم يحتوي على السب والشتائم.
ثالثاً: الغزل
جميعنا نسمع عن قصص الحب في الجاهلية والتي كانت واصلة لدرجة العشق وكان البعض من هذه القصص
تتصف بأنها مستميتة فقد امتازت أيضاً بالوفاء الشديد للمحبوب وكان الغزل في الجاهلية مقسوم إلى قسمين:
الغزل الصريح والغزل العفيف.
الغزل الصريح كان يصف المرأة بشكل مباشر ويصور جسدها ومن أكثر الذين اشتهروا فيه هو امرؤ القيس والأعشى.
أما الغزل العفيف فكان هو النوع المنتشر بكثرة في الجاهلية فقد وصف المرأة من الناحية الشخصية
فقد صور صفاتها مثل الوفاء والحياء والعفّة والأخلاق الرفيعة
ومن الشعراء الذي اشتهروا بهذا النوع من الغزل زهير بن أبي سلمى.
رابعاً : الوصف
الوصف في الشعر الجاهلي يشبه الرسم فالرسام مثلاً يرسم أي منظر تقع عينه عليه باستخدام لوحة خاصة وألوان،
وشعراء الجاهلية أيضاً قاموا بوصف أي منظر أو حادثة أمامهم باستخدام اللغة وكلماتها واعتماداً على البلاغة لتنتج أخيراً أبيات الشعر الرائعة.
فكان وصف الشاعر لحصانه من أهم النقاط التي انتشرت بكثرة في ذلك الوقت فكل شاعر لديه أسلوبه الخاص في وصف فرسه
وتعداد صفاتها بطريقة أدبية خلّابة من أجل أن يفخر بها أمام القوم فكان من أبرز شعراء الوصف امرؤ القيس وغيره الكثير.
خامساً: المديح
فالحكّام ورؤساء القبائل وأصحاب السلطة والنفوذ كانوا وما زالوا يفضلون الأشخاص
التي تقوم بمدحهم وذكر صفاتهم الحسنة أمام الناس
ولأن الشعر هو الذي كان سائداً فقد كان بعض الشعراء يؤلفون شعر المديح بالحكام فقط
من أجل الحصول على المال والقرب من السلاطين.
وقد كان للمديح أنواع أيضاً فكان بعضهم يمدحون بصدق ووفاء حقيقي ونابع من أعماقهم
فسمي شعرهم بالمدح الصادق، وبعضهم كان يمدح من أجل المال فكانوا يمدحون السلاطين بصفات غير متوفرة لديهم
وكانوا يبالغون بمدحهم الذي اشتهر بالكذب والنفاق الشديد.
سادساً: الرثاء
يمكننا القول بأن الرثاء يشبه المديح كثيراً ولكنه يقوم بذكر ووصف صفات الموتى الإيجابية والمشرّفة
ويقترن هذا الوصف بمشاعر الحزن على فراق المتوفي وقد نتج هذا النوع من الشعر الجاهلي بسبب كثرة الحروب
والتناحر بين القبائل العربية وبالتالي كثرة الموت.
وكانت النساء قد اشتهرت آنذاك بالرثاء وفي المقدمة كانت الخنساء التي قامت برثاء أخوها صخر الذي مات شاباً في أحد المعارك
ومن الشعراء الذين اشتهروا بالرثاء أيضاً الزير سالم الذي قام برثاء أخيه كليب الذي مات بحرب البسوس على يد جساس المري.
سابعاً: الاعتذار
وقد اشتهر بهذا النوع النابغة الذبياني والذي يمكننا أن نقول بأنه المؤسس لهذا النوع الذي تفرع
عن شعر المديح حيث ترافق الاعتذار مع ذكر الصفات الحميدة والمشرّفة للشخص
بالإضافة إلى الشكر وطلب العفو والرحمة.
ثامناً: الحكمة
ونعني بالحكمة ذكر فكرة صحيحة بشكل مختصر وبتعبير جذاب، فقد تضمن الشعر الذي ينتمي لهذا النوع
الكثير من الأفعال التي تدعو للخير والصواب فكانت الحكمة تأتي في الشعر الجاهلي ممزوجة
بالعاطفة والإحساس وانتشرت الحكمة بين العرب في ذلك الوقت نتيجة اعتمادها على تجارب الإنسان خلال مراحل حياته.
صفات الشعر الجاهلي
يتصف هذا النوع من الشعر بعدة صفات وخصائص تجعله مميزاً عن غيره من أنواع الشعر من عدة نواحي
وسنذكر هنا من ناحية معنى الكلمات التي يتكون منها الشعر ومن ناحية الشكل التي تميز بها هذا النوع.
صفات الشعر الجاهلي من حيث المعنى
غلب الطابع البدوي على هذا النوع من الشعر نتيجة صلته الوثيقة بالبيئة التي كانت سائدة في ذلك العصر
فالجميع يتفق على مقولة أن الفن مرآة المجتمع وفي هذا الشعر تم تصوير حياة البادية بتفاصيلها
وصفاتها بالإضافة إلى وصف حيوانات البادية فكانت النتيجة اتسام الشعر بالطابع البدوي.
ومن الصفات المعنوية كانت الواقعية والوضوح فقد صوّر شعر الجاهلية البيئة البدوية بصورة واضحة
تتصف بالبساطة والواقعية بوكان قد تناسب هذا التصوير مع الفطرة البدوية.
كما اتصف الشعر في هذه الفترة بالإيجاز والكثير من شعراء
الجاهلية تجنّبوا الإطالة وكانت الحكمة خير الكلام
ما قلّ ودلّ وهذا يعكس الحياة البدوية الصعبة والتي كانت مستمرة ودائمة.
ويمكننا القول أيضاً بأن الشعر في الجاهلية كان بسيطاً من ناحية الفكر فالتراكيب اللغوية المضمّنة في شعر
الجاهلية تتسم ببساطة المعنى وخلوها من التعقيد والغموض.
بالإضافة إلى كل هذا يمكننا أن نجد أن الروح الجماعية ظهرت بشكل واضح في شعر الجاهلية فكان الشعراء
يتحدثون في أشعارهم عن القبيلة ويقومون بتضمين صيغة الجمع في أغلب الأشعار.
صفات الشعر الجاهلي من حيث الشكل
عند تأليف الشعراء للشعر في ذلك الوقت قاموا بالالتزام بمجموعة من القواعد ضمن قصائدهم كالبكاء
والوقوف على الأطلال ومخاطبة الأصدقاء أو الأشياء ومن ثم يقوم الشاعر بوصف حاله
بسبب حدث ما كرحيل المحبوبة عنه أو بسبب موت أحد الاصدقاء.
وقد اعتنى شعراء الجاهلية بالألفاظ كثيراً فجميعنا نلاحظ القافية
الموحدة والمميزة لكل قصيدة من قصائد الجاهلية.
فقد اعتمد شعراء الجاهلية على ألفاظ هي غريبة عنا في هذا العصر
ولكنها كانت منتشرة بين الجميع في الجاهلية.
وبالتأكيد جميع فقهاء اللغة العربية يتفقون على قدرة الشعر الجاهلي
في توحيد الجرس الموسيقي للقصيدة الواحدة
وهذا إن دل على شيء فهو يدل على القدرة البالغة في اللغة لشعراء تلك المرحلة.
وفي الختام لا يسعنا أن نقول عن الشعر الجاهلي إلا أنه شعر مميز وعميق فهو يحثّ
قارئه على البحث المطول لمعرفة معنى أبياته، وماذا كان يقصد الشاعر في هذا المقطع وغيرها من الاسئلة
التي تراودنا عند قراءة هذا النوع من الشعر.