مفهوم الحب ما بين الفلسفة القديمة والحديثة

مفهوم الحب ما بين الفلسفة القديمة والحديثة

مفهوم الحب

ما بين الفلسفة القديمة والحديثة

أراك بعين قلبي جنة، فكيف لا أراك كذا وأنت العيش والرغد،

طبتَ لي سندًا يا مَن لا حياة تطيب ببعده.

أصيح مهللاً بقدومك وكأنك العيد والفرح، وتسكب عيني دمًا في ذات يوم فراقك المحزون.

الحب“،ترتاد هذه الكلمة على مسامعنا وإلى أذهاننا

وإن ذهب البعض ليصف معني هذه الكلمة

أو الشعور الذي يسري في باطنه لعجز عن إيجاز عبارات قوية واصفة لشعوره.

ليبقي داخله مجموعة من المشاعر القوية تجاه من يحب، ولا يوجد وصف دقيق لهذا الشعور.

ما معنى الحب؟

فلسفة الحب

اختلف الفلاسفة في إيجاد معنى دقيق لوصف الحب،

حيث ذهب البعض إلى أنه مشاعر مختلطة قوية تغزو القلب،

بشرط أن تكون هذه المشاعر متبادلة بين طرفين.

ولا يقتصر الطرفين على مجرد كونهم رجل وامرأة فقط،

بل قد تنشأ علاقةُ الحب بين اثنين من نفس الجنس،

مثل علاقة الحب بين الأخوة، وكذلك بين الأصدقاء،

فهي ليست مرتبطةً فقط بكون طرفي الحب رجل وامرأة.

وفي الجانب الآخر نشأت بعض الصراعات والانتقادات القوية بين الفلاسفة بشأن الحب،

ومنهم من أضاف معانٍ قوية،

وسلط الضوء على الحب ومفهومه بدلالة واضحة، من خلال كتاباته الفلسفية القوية أو الشعرية.

والبعض الآخر رأى الموضوع من الجانب الهزليّ الجاذب للسخرية.

ويرجع هذا الاختلاف لطبيعة الفَترة التي عاصرها كل فيلسوف.

فمن المعروف أن الكاتب والفيلسوف يتأثر تأثرًا جليًا بالمبادئ والمعتقدات التي تدور حوله،

بل وتنعكس بشكل واضح على كتابته.

لذا نجد أن معارضي فكرة الحب هم أبناء حِقْبَة الظلام، حيث لم تأخذ المرأة بعد كامل حقوقها.

ومن أمثلة ذلك: ما قاله سقراط في وصايا ابنه “سوف تكون محظوظًا إن نعمت بحياة زوجية سعيدة،

وسوف تصبح فيلسوفًا إن لم تكن سعيدًا”.

وفي هذه العبارة علامة سخرية واضحة من مفهوم الحب لدى سقراط.

وذهب بعض الفلاسفة إلى أن الحب عبارة عن مجموعة من المشاعر القوية المحسوسة،

والتي لا يمكن رؤيتها وتفسير ماهيتها بشكل جيد، بل نرى توابعها، وهي الرغبات الناجمة عنها.

تعريف الحب:

ويعتبر هذا التعريف هو الأقرب لمعنى الحب، وإن كان لا يصف الحب بشكل جيد، بل هو أصحّ ما توصّلت إليه تعاريف الفلاسفة.

أما مفهوم الحب داخل النظريات الحديثة في الفلسفة،

فقد توصل الفلاسفة إلى أن الحب شعور أو مصطلح غير قابل للتفسير نهائيًا، فهو عبارة عن مجموعة من المشاعر،

وهي غير قابلة للوصف نهائيًا، اعتمد الفلاسفة على مجموعة من النظريات والأبحاث؛ حتى يتمكنوا من الإدلاء بآرائهم حول هذا التعريف والمفهوم.

بعض الأدباء والفلاسفة الآخرين، لم يكتفوا بذكر تعريف للحب،

بل سلطوا الضوء على المفهوم من خلال الأعمال الأدبية القوية، مثل: الشعر، والنثر، وأشهر الروايات والمؤلفات العالمية التي سجلها التاريخ في الحب والرومانسية.

كل ما ذكرناه بالأعلى هو مفهوم الحب بالنسبة للرجل،

لذا دعنا نرى التعريف من وجهة نظر الأنثوية، ولكن قبل الشروع في إيضاح التعريف لا بد من معرفة حقيقة ما.

وهي أن المرأة مخلوق رقيقٌ جدًا تحكمه العاطفة لا العقل،

لذا نجد في أغلب مصطلحات الحب تعريفٌ نابعٌ من مشاعر قوية، ولا يوجد سخرية بالنسبة للمرأة في مفهوم الحب، وذلك على نقيض التعريف الشائع لدى بعض الفلاسفة.

ذهب بعض النساء للقول: بأن الحب هو القوة، فبإمكانك أن تتحكم بالأرض ما دام لديك الحب القوي، وذهب البعض الآخر لقول: أنه بإمكانك أن تخلق معجزه كبيرة، ما دُمتَ تمتلك طاقة الحب.

تفننت النساء في تعريف الحب على نقيض الرجال؛ وذلك لأن عاطفة المرأة وقدرتها على التعبير، تفوقت على الرجل بكثير.

أعمال أدبية دونت عن الحب

مفهوم الحب

تحدث الأدباء والفلاسفة كثيرًا بشان الحب، وما زالت الأعمال مستمرة إلى هذا الوقت،

وإن كانت الأعمال الأدبية القديمة أقوى من حيث وصف الحب أو إيصال معناه باستخدام الألفاظ المجازية.

على نقيض هذه الفترة، حيث خلت الأعمال الأدبية من المشاعر والوصف الدقيق، ويرجع ذلك لركاكة اللغة، وضعف العبارات المستخدمة في الوصف.

الفيلسوف جورج فريدرش، وهو من أوائل الفلاسفة الذي بنوا نظريات عن الحب، اعتمد في بناء مفهومه عن الحب على الترابط.

حيث وصف هذا الشعور بأنه ترابط بين أثنين حتى يصيرا جزءًا من كيانٍ واحد، وقام فريدرش بتدوين الكثير من النظريات عن مفهوم الحب والمشاعر.

امتلك أفلاطون نظريات عن الحب، كما ألهم الفلاسفة الآخرين لإعادة النظر في مفهوم الحب من جديد.

وإن كان تعريف أفلاطون غامض بعض الشيء في تعريف أو إيضاح مفهوم الحب،

إلا أنه ترك أثرًا كبيرًا وبنى العديد من النظريات التي ما زالت تدرّس حتى الآن.

أنواع الحب طبقاً للنظريات الحديثة

مفهوم الحب

تختلف أنواع الحب حديثًا عنها قديمًا، حيث شرح الفلاسفة العديد من الأنواع، كما قامت النظريات الحديثة بإيضاح معني الحب طبقًا لنوعين، وهما:

  • الحب المشروط: هو الحب المتعلق بشيء، أو متعلق بحدوث شيءٍ ما، ولا يقتصر هذا النوع من الحب على شكل معين، وليس لديه أي مثال، فالبشر مختلفون في طبيعة مشاعرهم.

فهناك من يحتاج لرؤية المشاعر الحقيقة والتأكد من صدق حب الطرف الآخر؛ حتى يبادله نفس الشعور، لذا هو حب مشروط وإن كان الشرط غير مقصود في العلاقة، فنحن نختلف في طريقة تعبيرنا وترجمتنا للمشاعر القابعة بداخلنا، وإن كان يجمعنا مفهوم واحد وهو الحب.

  • الحب غير مشروط: وهو حب طبيعي، قد وضع في القلب دون وُضع أي قيود، حيث لا يمكن للعاشق التحكم بمشاعره، بل تجد أن هذا الإنسان منقادٌ لمشاعره وعواطفه بشكل غير طبيعي.

كما يعتبر علماء الفلسفة الحديثة أن هذا النوع من أقوى أنواع الحب على الإطلاق،

حيث تحكم العاطفة، وتطغى على القلب، ومتى وُجِد هذا الشرط، فهو حب رباني حقيقي.

كما تأتي الأمثلة كثيرة لهذا النوع من الحب، ومنها:

  • حب الذات: أن تتقبل كل أخطائك بصدر رحب، فأنت بشر تخطئ وتصيب، وأن ترى عيوبك وتتقبلها، فهو نوع من أنواع الحب غير المشروط، وأن تسعى لتحسين نفسك فهو نوع من أنواع الحب.
  • غريزة الأمومة: هي نوع من أنواع الحب غير المشروط مطلقًا، يخلق الله الأنثى وبداخلها هذه الغريزة، فهي لا تري الجنين أثناء فترة الحمل، ولكن تحمل بداخلها قدرًا كبيرًا من الحب والحنان، ومتى صارت أم، وجدتها صدرًا حنونًا لأبنائها، كل ذلك نابع عن مشاعر قوية غير مرتبطة بمنفعة ما.
  •  حب الإله: على رغم اختلاف الأديان السماوية التي شرعت، واختلاف العقيدة التي ينتمي إليها كل فرد، إلا أن ما يجمع كل هذه الأديان هو حب الإله وتمجيده.

فالكل يعبد الله وإن كان لا يراه، ولكن تلتمس أثره في استجابة الدعاء، وفي طُمَأنينةٍ حلت على القلب بعد خوف شديد.

أنواع الحب طبقاً لنظريات الفلاسفة

مفهوم الحب

قام الفلاسفة باختصار أنواع الحب إلى:

  • فيليا:

وقد قام أسس هذا النوع الفيلسوف أرسطو، ومن المعروف عن هذا الفيلسوف ونظرة السخرية التي يجدها في العلاقة بين المرأة والرجل،

لذا نجد أن هذا النوع من الحب يتحدث بشأن العلاقات الدينية والقبلية بشكل أساسي.

حيث يرى أرسطو أن الإنسان لا يستطيع العيش بدون مَن يناصره، ووصف من يقوم بهذه المهمة بأنهم أصدقائه،

حيث تجمعهم علاقة طيبة، يسودها الخير وتمني الأفضل.

أو قد ينشأ هذا الحب بين أفراد القبيلة الواحدة، أو من تجمعهم عقيدة دينية واحدة،

ولكنه وضع بعض المبادئ الحاكمة لهذا النوع، ومنها أن تطغى روح الخير على العلاقة التي تجمعهم،

حيث يتمنى الطرفين الخير والسلام لبعضهما البعض.

وقد دوّن أرسطو العديد من النظريات الفلسفية بشأن “الحب فيليا”، كما حُفظت هذه الأعمال،

وما زالت متواجدة حتي هذا الوقت، كما وضع مبادئ وخُطى لفيليا.

  • إيروس:

وقد دون هذا النوع الفيلسوف أفلاطون، وإن كان أفلاطون قد خالف فلاسفة عصره بشأن مفهوم الحب،

فإن مدوناته وأعماله قد أثمرت خلال هذه الفترة، حيث اقتدي الكثير من الفلاسفة به،

واقتنى مناهجه ونظرياته التي دونها عن الحب.

حيث يرى أفلاطون أن الحب عبارة عن رغبة جياشة، تحكم طرفين،

وقد اختص إيروس بدراسة العلاقة بين الرجل والمرأة من وجهة نظر جديدة، ومختلفة بعض الشيء عن الفلاسفة الآخرين.

استطاع أفلاطون أن يجسد الحب في صورة إله، أطلق عليه إيروس وهو “إله الحب والرغبة”،

وبالرغم من تعقد نظرية أفلاطون، إلا أن الكثير قد اقتفى أثره متأثرا بمعتقداته في الحب.

وفي الجانب الآخر انتقد بعض الفلاسفة نظرية إيروس، و وصفها بالسطحية، فهي ليست وصفًا دقيقًا،

أو معنى قوي عن الحب، بل اختصت بوصف الرغبة فقط.

  • أغابي:

عرف هذا النوع من الحب على مر العصور والأزمنة، حيث دُوِّن منذ آلاف السنين و أقدم العصور على الإطلاق،

وما زال منتشرًا إلى هذا الوقت، وإن كنا نعرف مفهومه لكننا نجهل معناه.

يعتبر هذا النوع من أقوى أنواع الحب على الإطلاق، حيث يستخدم في وصف العلاقة بين العبد والرب،

فهو علاقة جيدة يسودها الطمأنينة والخير.

هوميروس هو المحرك الرئيس لهذا النوع، وأول من قام بتدوين النظريات والأعمال الأدبية في أغابي،

حيث وصف علاقة الإنسان بربه العلاقة الأبدية التي يحكمها التعبد والخير، ولا يوجد أي مجال تحويل المشاعر للشر أو الكره أبدًا.

  • ستورج:

مفهوم سائد قديماً بين فلاسفة اليونان، ويرجع سبب تسمية هذا النوع بهذا الاسم لمؤسسه،

ويصف هذا النوع من الحب مدى الترابط الأسري الذي ينشأ بين أفراد الأسرة الواحدة.

علاقة أسرية طيبة يسودها الحب والخير، فمن المستحيل أن تجد علاقة أسرية منبعًا للشر والحقد،

ومع الوقت يتحول الحب الأسري إلي رابط وجودي بين هذه الأفراد، فهو أعمق من الحب وأعمق من أن يوصف.

كما يصف ستورج علاقة الأصدقاء ببعضهم البعض، حيث تربطهم مشاعر الخير والأخوة الصادقة،

وكذلك الأمر بالنسبة للحيوانات، فهي أيضًا قادرةٌ علي التعبير عن مشاعرها وإيصالها.

لذا اهتم ستورج بوصف العلاقات الدقيقة ما بين الأصدقاء وأفراد الأسرة والحيوانات الأليفة.

يقول لويس في وصف هذا النوع من الحب؛ هو أقوى الأنواع على الإطلاق،

كما يزداد رباط الحب بمرور الزمن، وذلك على نقيض الأنواع الأخرى.

ومع مرور الوقت سوف تقوى الروابط بين أفراد العلاقة، حتى يصيروا كالروح والجسد الواحد، وذلك لما بينهم من تعاطفٍ وتراحم.

وبالرغم من مرور فترة زمنية طويلة على تدعيم هذا النوع،

حيث يعتبر من أول أنواع الحب الفلسفية التي دونت في العصر الإغريقي، ولكن يبقى هذا المفهوم سائدًا بيننا حتى الآن.

وفي النهاية، ما الحب إلا مجموعة من العواطف والمشاعر،

ولا يمكن لأحد وضعها داخل إطار تعريف محدد، فالبشر أنواع مختلفة وكل شخص قادر على التعبير عن الحب بطريقته الخاصة.

تم النشر بتاريخ الاثنين، 25 أكتوبر 2021
من نحن
سياسة الخصوصية
اتصل بنا
اتفاقية الاستخدام
جميع الحقوق محفوظة © كتابي 2021