الكفيف الذي أضاء العالم من حوله.. عميد الأدب العربي طه حسين
يعتبر طه حسين عميد الأدب العربي و واحد من أهم عمالقة الأدباء و المبدعين في العالم العربي، و قد ولد
في عائلة فقيرة مكونة من ثلاثة عشر طفلاً، و كان يعيش في صعيد مصر، كان لديه طموح
كبير جداً، و قد حاول الكثيرين تحطيمه و زعزعة الثقة بداخله، و لكنه أصبح وزيراً للمعارف، و واحد
من أهم عباقرة الأدب العربي، عرف بقدرته الكبيرة على التحدي و جرأته و قوة شخصيته.
السيرة الذاتية لطه حسين عميد الأدب العربي:
ولد طه حسين في قرية مغاغة الواقعة في صعيد مصر، و ذلك في الخامس عشر
من نوفمبر للعام ١٨٨٩، و قد كان الولد السابع لوالديه، عندما كان عمره ثلاثة أعوام
أصيب بالرمد، و قد تعالج بطريقة خاطئة بسبب قلة المعرفة التي كان يعيشها أهله، بالتالي
ذهب نور عينيه و أصبح أعمى و كفيفاً لمدى الحياة.
ثم بعد ذلك لم يكن أمام والده إلا أن وضعه في القرية مع الكتاب ليتعلم القرآن الكريم، لكي
يصبح في يوم من الأيام قارئاً للقرآن الكريم، و بالفعل ما كان من طه إلا أن أبهر شيخه و أنهى
حفظ القرآن الكريم بسرعة و بمدة قصيرة، و كان يحب والده أن يأخذه دوماً إلى حيث تروى
قصص العباقرة و الأبطال مثل عنترة بن شداد.
كيف بدأ عميد الأدب العربي مسيرته العلمية؟
لقد كان طه حسين عميد الأدب العربي من النمط القليل اختلاطاً بالناس، و كان دائماً ما يتعرض
للمسخرة عندما يحكي لأحد عن طموحه، و في العام ١٩٠٢ بدأ طه حسين مسيرته في طلب
العلم، حيث سافر من القاهرة إلى الأزهري و التحق بالجامعة و بدأ يتعلم مختلف العلوم و المعارف و يكتسب الخبرة.
ثم بعد ذلك و بعد عدة مراحل من الدراسة المكثفة قام في العام ١٩١٤ بتجهيز دراسة الدكتوراه
الخاصة به و التي قدمها عن أبي العلاء المعري، و قد حققت هذه الرسالة إنجازاً عظيماً و أعجب بها الجميع.
ثم بعد ذلك في العام ١٩١٤ ذهب إلى فرنسا و بدأ تعليمه في جامعة مونبلييه، و بدأ يأخذ دروساً
و محاضرات في الاجتماع و التاريخ، و حصل على دكتوراه في علم الاجتماع.
قصة طه حسين مع السيدة سوزان بريسو:
في خلال دراسته في فرنسا تطوعت السيدة سوزان بريسو بأن تقرأ له الفرنسية خلال تعليمه، و قد لازما
بعضهما لفترة طويلة، حتى بدأ عميد الأدب العربي طه حسين يحييها من كل قلبه.
و كتب لها عبارة “اغفري لي فأنا أحبك”، و حينها كانت مفاجأة كبيرة لسوزان و صدمت مما قرأت
و بدأت تقول له أنا لا أحبك، فأخبرها حينها أنه لا ينتظر منها حباً أراد أن يخبرها و حسب، و مع مرور
الوقت بدأت سوزان تشعر أنها تبادله المحبة أيضاً و أعلنت أنها تحبه و ترغب بالزواج به
أمام والديها و الذين رفضا ذلك بشدة.
و لكن في العام ١٩١٧ تزوجا، و قد كان لسوزان دوراً مهماً في حياته حيث قرأت عليه الكثير
من الكتب المتنوعة و المراجع المختلفة، و كذلك قدمت له عدد من الكتب المكتوبة بلغة برايل
لكي يتمكن من قرائتها بنفسه.
لقد أحب طه حسين سوزان كثيراً و تعلق بها بشدة، و أنجبت له طفلين هما أمينة و مؤنس.
عودة طه حسين إلى مصر:
في العام ١٩١٩ قام عميد الأدب العربي بالعودة إلى مصر، و تم انتقائه ليتعين أستاذاً للتاريخ اليوناني و الروماني،
و بعد أن أصبحت الجامعة تابعة لحكومة مصر تم تعيينه أستاذاً لتاريخ الأدب العربي.
قام بعد ذلك في العام ١٩٢٦ بتأليف كتاب أحدث ضجة كبيرة في ذلك الوقت و اسمه “في الشعر الجاهلي”،
حيث تعرض للكثير من النقد بسبب حديثه أن الشعر الجاهلي كتب في الفترة التي تلت ولادة الدين الإسلامي
و لكن تم الحاقه بالشعراء الجاهليين، و لكن تمت تبرئته بعد ذلك لأنه لم يقصد أبداً أو يقرر الإساءة للدين الإسلامي.
العبقرية التي تمتع بها طه حسين:
تظهر عبقرية عميد الأدب العربي واضحة في الكثير من نقاط حياته، و أهمها كيف استطاع أن يقهر إصابته
بالعمى و يبقى صامداً في وجه الصعوبات لكي يحقق إنجازات كبيرة رغم العمى، فقد استطاع بالرغم من وضعه
أن يحقق تطوراً كبيراً في تاريخ الأدب العربي و أن يكون مؤثراً في العديد من المواقف، و قد دعا طه حسين
إلى ضرورة القيام بنهضة أدبية و ثقافية عربية، و قد واظب دوماً على الكتابة و تقديم الأفضل، و لكنه
كان يفضل الكتابة ببساطة و بسهولة، حيث يقوم بانتقاء المفردات الواضحة و لكن على الرغم من ذلك
كان يحافظ على اللغة العربية و فصاحتها في كتابته.
ما هي أفكاره من أجل تطوير التعليم و النهضة الأدبية؟
كانت له العديد من الآراء الجريئة التي أثارت الكثير من النقاشات و النقد حوله و لكنه لم يبالي بها، و من أهم ما وجه له كان:
- ضرورة شرح الفقرات و النصوص الأدبية لكل الطلاب في المدارس بشكل جيد و بطريقة تمكنهم من فهمها فهماً دقيقاً.
- من الواجب إعداد المعلمين بشكل جيد و الإهتمام بثقافتهم و ذلك لكي يتمكنوا من تعليم الطلاب بطريقة جيدة و لكي يتمكنوا من إيصال الأفكار بطريقة صحيحة.
- يجب اتباع التحديث و التطوير بشكل مستمر في العملية التعليمية و الإبتعاد قدر الإمكان عن المناهج التقليدية و الأسلوب الممل.
ما هي أهم التحولات في حياة عميد الأدب العربي؟
يعتبر طه حسين أنه مرت عليه في حياته ثلاث نقاط تحول مهمة جداً، و هي حسب رأيه كالآتي :
- أولاً الرحلة التي قام بها إلى أوروبا، حيث يعتبر أنها كانت بداية لتاريخ جديد و معرفة و علم كبيرين، كما يعتبر أنها نقلته من الحياة التقليدية الخالية من الطموح إلى التجديد و فتحت له آفاق جديدة.
- ثانياً يعتبر أن زواجه كان واحد من أهم النقاط في حياته التي غيرتها نحو الإيجابية، فلم يعد يشعر بالوحدة بعد ذلك، و كذلك جعله هذا الزواج يعرف معنى نعمة الحب و ينعم بها.
- ثالثاً اعتبر أن النقطة المهمة الأخيرة التي حصلت في حياته هي أطفاله حيث جعلوه يعرف معنى الحنية و العاطفة، و معنى العائلة و التمسك بها، فقد كان بهم أثر كبير مهم في حياته.
و هكذا فإن طه حسين الملقب بعميد الأدب العربي قدم إنجازات كبيرة للأدب العربي و تمكن من إضاءة عقول الكثير من حوله رغم أنه أعمى و لم يكن يبصر و لكنه أشعل النور في درب الكثيرين،
و عاش كل حياته مليئاً بالإيمان و الطموح الكبير و الرغبة في تحقيق المزيد من النجاح و الازدهار، و قد تمكن بفضل جرأته و رجاحة عقله من نقل الأدب العربي من القديم التقليدي إلى الحديث المعاصر.